عطيل والخيل والبارود
مشهد من مسرحية عطيل والخيل والبارود للكاتب المغربي الدكتور عبدالكريم برشيد
وهذا المشهد للامتحان قسم مادة المسرح بالعربية السنة الثانية مسرح مغربي – تحت إشراف الأستاذ أحمد لبكيري
المشهد الثاني
( المكان – الكاريان / عطيل يعود للأطلس والأوراس )
عطيل : ياأيها الحمام المحلق في عيوني ، يا رسولا جئت إلي بغير رسالة ، يا أيتها الأيام الخرساء ، ياأيها الجذب الذي أورق فقر التعساء . ياأيتها الملائكة خذيني حيث لا نور لاضياء خذيني إلى مدن الصمت ..يا قلبي المكلوم ..يا أيها المذبوح في محراب التعاسة – كيف لا يطير بي طائر الرخ إلى جزر النسيان ..؟
س غموض : يالله ..ا إنسان تقطر منه الكلمات عذابا أسود ..ترى أي جرح تخفيه الأثواب ..؟
وأي ماض يجر خلفه ..؟
عطيل : يالله ..ا إن كل شموسك الغراء في السماء ..وكل الكواكب والنجوم .. تعجز اليوم أن تنير من قلبي ركنا واحدا ..
س غموض : عجبا ..أيكون قلبه أسود من ظلمة الليل ..؟
عطيل : الظلام ..الظلام في العين والقلب ..من يهديك يا أعمى وأنت في مدن العميان ..؟ وقال الناس ابتسم ..فقلت كيف ..؟ وهذا الجو غائم ..
س غموض : لا عليك يا رفيق الدرب ..
عطيل : من ..؟ من..؟
س غموض : أنا من يهديك ..ا أنا العكاز والقنديل ..ا ونسمة العرب ..
عطيل : ولكن لم العكاز والقنديل ..؟ أنا ليس شيخا ولا أعمى ..
س غموض : أنت محطم القلب حزين ..سمعتك منذ حين تشكو العذاب للطير والأيام والملائكة ..إن المهموم كالمحموم يهدي ..
1
عطيل : أنا لست حزينا ..
س غموض : ولكن كلماتك ..
عطيل : ليست كلماتي ..
س غموض : سمعتك تشكو ..
عطيل : أنا لم أكن أشكو ..
س غموض : ومن كان إذن ..؟
عطيل : إنه عطيل ..وجدي الآخر ..ثوبي الآخر ..أنا عطيل بن الشمس والبحر والأطلس ..عشت في قريتي الوديعة راعيا في الجبال ..رفيق النجم والناي والماشية ..كنت في الحقل مزارعا أنثر القمح وأحصده سنابل من ذهب ..أنا عطيل الحزين أعود لقريتي المحطمة .. أعود للأطلس والأوراس ( صمت ) ..وأنت ألا تقول شيئا ..؟ ألا تحدثني عنك ..عن اسمك ..؟
س غموض : تسألني من أنا ..؟
عطيل : من أنت ..؟
س غموض : أنا نهر دائم الجريان ..أنا من كنته يوما ثم اختفى ..أنا من أكونه الآن ومن سوف أكون ..أنا نهر دائم الجريان ..
عطيل : أرجوك حدثني بغير ألغاز ..أنا من وطن الشمس ..من أرض لا تعرف المساحيق ..أكره الضباب أكره الغموض العقيم ..تعودت أن أمشي لغايتي من أقصر الطرق ..من جديد أسألك من أنت ..؟
س غموض : أتريد أن أكذب عليك يا عطيل ..؟
عطيل : لا ..كل شيء إلا الكذب
س غموض : إذا لا تسألني ..
عطيل : ومن أسأل إذن ..؟ من أسأل ..؟
س غموض : اسأل الأطلس ..
عطيل : وما دخل الأطلس ..؟
س غموض : اسأل ذلك الذي يحمل أهذاب السماء ..ألا فاسأله عما يراه خلف أستار السماء ..
عطيل : يالله ..أسألك الصبر .. كل هذا الحوار من أجل أن ـقول لي كلمة يتيمة ..
س غموض : أنا أدوار شتى والممثل واحد..أنا يا سيدي ملابس عدة واللابس واحد..
عطيل : إنك تعبث بأعصابي يا سيد غموض ..
2
س غموض : جميل أن تغضب ..فهنيئا لك يا سيدي هنيئا ..
عطيل : تهنئني على الغضب ..ا
س غموض : التوتر في القلب دليل على الحياة ..إنك تحيى ..هنيئا يا عطيل ..
عطيل : قل من أنت وإلا ..؟
س غموض : أنا إن تسلبني عمرا واحدا ففي يدي يا سيدي حزمة أعمار ..أنا من يغيب ويحضر ..أنا من يسافر ولا يرحل ..أنا من أمشي ولكن لا أسير ..أنا من أنظر ولكن لا أرى ..اسمع يا عطيل يوم تشتد بك المصائب ..اصرخ باسمي آتيك في طرفة عين ..
عطيل : وهل عرفت المصائب إلا حين عرفتك ..
س غموض : اصرخ باسمي آتيك ولو كنت في جوف الحوت ..
عطيل : أصرخ باسمك ..وهل أنت من أولياء الله يا رجل ..؟
س غموض : لا تكثر من السؤال يا ولدي ..
عطيل : ولكن ما اسمك ..؟
س غموض : لست أدري ..
عطيل : قلت لك ما اسمك ..؟ ( يمسك عطيل بالسيد غموض ويخنقه بقوة )
س غموض : عطيل ..ماذا تفعل ..؟
عطيل : تسألني ..؟
س غموض : أنا لست ميمونة
عطيل : أنت ياجو اللعين ..عرفتك ..
س غموض : لا ..دع رقبتي أعرفك بنفسي ..إنك تؤلمني .. أنا ما أبعدني عن ياجو وعن لؤمه ..أنا يا سيدي إنسان بلا ثقل ولا وزن ..نزل الدنيا في ساعة ما بغير زغاريد ..بغير أفراح ولا انشراح ..عشت أعطي الهواء بقدر ما أعطي الكلمة لكن بقدر وحنان ..إنني أحيا إنني أحيا لكن بالتقسيط ..عشت وحيدا لم يطرق بابي أحد ..ولا جاءتني في يوم رسالة أو رسول ..وفي يوم مطير امتدت يد غريبة لتطرق بابي ..وما إن وقعت اليد على الخشب المهترئ وعلى الجدران البالية حتى سقطت الدار فوق رأسي ..فمت لحيني وكان قاتلي من جاء يسأل عني .
عطيل : أرجوك كف عن التمثيل داخل التمثيل ..
س غموض : وهل أنا إلا ممثل ..؟ ثم أي شيء جاء بي من غير التمثيل ..
عطيل : إنك تسخر مني أيها اللعين ..وسأخمد أنفاسك الكريهة ..وإلى الأبد ..
س غموض : لا أنت واهم ياعطيل ( يفلت غموض من قبضة عطيل )
3
عطيل : واهم ..؟ ا
س غموض : حفيد أنا يا مولاي من أحفاد لقمان..
عطيل : وما دخل لقمان كذلك ..؟
س غموض : ورثت عن جدي الأشعار وسبعة أعمار ..
عطيل : سبعة أعمار ..؟
س غموض : نعم ..ترى أي نوع من الرياح أتى بك إلى هذا الخراب ..؟
عطيل : قرأت في الجرائد وعلى جدران المدينة إعلانا يقول :
س غموض : دعني أكمل ..
عطيل : أكمل ..
س غموض : ليكن في علم السادة الممثلين أن إدارة مسرح الضباب ترغب في التعاقد مع ممثلين ..
عطيل : تعودوا على الأدوار الشريرة ..
س غموض : فوقعت العقد ..
عطيل : وها أنا أنتظر قدوم المخرج .
س غموض : قل لي هل راقتك المسرحية ..؟
عطيل : قد يروقني إذا تمكنت من فهم أغوارها ..وأبعادها ..
س غموض : وهل من طبعك أن تعادي ما لا تفهم ..؟
عطيل : بل أخشاه وأخشى أغواره ..
س غموض : ولكن ألا ترى أن العرض السخي يغري بالمغامرة ..؟
عطيل : ومن أجل هذا أتيت ..
س غموض : سيأتي بلا شك غيرنا من الممثلين ..
عطيل : سيأتون ..ا العرض مغر ..
س غموض : والمخرج هل رأيته ..؟
عطيل : ما رأيت أحدا غيرك ..
س غموض : لا شك أنه الآن منشغل في تسطير الحركات وتقطيع اللوحات
عطيل : ترى في أي مكان هو الآن ..؟
النهاية
2020-03-27, 2:34 pm
