الزبالة تحيط بالأرض من كل اتجاه!
في 4 أكتوبر عام 1957 أطلق الاتحاد السوفيتي المركبة غير المأهولة سبوتنيك 1 لتتخذ مدارا حول الأرض. كان هذا أول جسم من صنع الإنسان يخرج خارج حدود الكوكب إلى الفضاء. ولم يمضِ وقت طويل حتى أتبعوها بمركبة أخرى كانت تحمل الكلبة لايكا -أول كائن حيّ يخرج إلى الفضاء- في 3 نوفمبر من نفس العام.
وعلى أثر هذه الخطوة، بدأ سباق الفضاء الأمريكي السوفيتي، إذ سرعان ما أطلق الأمريكيون مركبتهم الناجحة الأولى إكسبلورر 1 في 31 يناير 1958. بعدها بدأت المركبات المأهولة تغزو الفضاء، وانطلقت الأقمار الصناعية لتدور حول الأرض لتؤدي أغراضاً مختلفة بدءا من تسهيل الاتصالات ونقل البث التليفزيوني وحتى التصوير وإجراء الدراسات الجيولوجية والتجسس. وبدأت دول أخرى تدخل إلى الملعب وتنشئ وكالات للفضاء، واستمرت وكالات الفضاء في إطلاق الأقمار الصناعية لدولها وللدول الأخرى التي لا تمتلك التقنية لكنها تمتلك المال وتريد أن يكون لها أقمار صناعية هي الأخرى، حتى تحوّل الفضاء المحيط بالأرض إلى فوضى حقيقية.
فكثير من الأقمار الصناعية التي أطلِقت على مدى العصور الماضية قد انتهى عمرها الافتراضي ولم يعد لها فائدة، إلا أنها مازالت تدور في مدارات حول الأرض. وينضم إلى قائمة الأقمار الصناعية القديمة: المراحل التي تنفصل عن الصواريخ (حيث يتكون الصاروخ في العادة من عدة مراحل)، ومواتير قديمة من الصواريخ، ومسامير وصواميل منفصلة، وقشور من دهانات الصواريخ والمركبات، ومخلفات الوقود، وأجزاء صغيرة أخرى متنوعة. وهذه الأشياء الصغيرة تتسبب في أذى بالغ للأقمار الصناعية الحديثة وللمركبات الفضائية إذا تصادف وارتطمت بها، فالسرعة الكبيرة التي تدور بها الأجسام حول الأرض تجعل الأذى مضاعفا.
وفي الآونة الأخيرة أصبحت مشكلة الحطام الفضائي مؤرقة لمهندسي وكالات الفضاء، حتى إنهم أضافوا دروعا واقية إلى المحطة الفضائية الدولية لتفادي الضرر الذي ينجم عن الارتطام بالصواميل الفضائية المزعجة!
ويبدو أن الإنسان لا يكف عن ترك مخلفاته في كل مكان يذهب إليه، فحتى الفضاء لم يسلم من أكياس قمامته!
البداية غير النظيفة!
يمكن اعتبار أن أول حطام فضائي أو قمامة فضائية هي المركبة الأمريكية الفاشلة فانجارد 1 التي تم إطلاقها في 31 يناير عام 1958، وهي أقدم جسم مازال يدور حول الأرض، إذ مازالت تدور منذ ذلك التاريخ وحتى الآن.
بعد ذلك انضم العديد من الأشياء إلى القمامة الفضائية، منها على سبيل المثال قفاز فقده الرائد الأمريكي "إد وايت" عندما خرج من مركبته إلى الفضاء، وكاميرا فقدها الرائد "مايكل كولينز" بجوار مركبته الفضائية جيميني 10، وأكياس القمامة التي تتخلص منها الرحلات الفضائية المأهولة، إضافة طبعا إلى أكياس القمامة التي ظلت تتخلص منها محطة الفضاء الروسية مير على مدى خمسة عشر عاما هي فترة تشغيلها. بعض هذه الأشياء سقطت على الأرض مرة أخرى خلال أسابيع من ضياعها، وبعضها مازال يدور في الفضاء حول كوكبنا.
إلا أن هذه الأشياء الصغيرة لا تشكل مشكلة حقيقية في هذه المسألة، حيث يقدّر حجم القمامة الفضائية بحوالي مائة طن من الأجزاء المتخلفة عن المركبات الفضائية والصواريخ والأقمار الصناعية، كل هذه المواد تدور حول الأرض حتى الآن.
وكيف يمكن أن ننظف فضاءنا؟
تمثل هذه المشكلة مصدر قلق لمهندسي الفضاء بسبب المشاكل والحوادث التي تتسبب فيها، فمثلا حدث عام 1996 أن تحطم أحد أذرع القمر الصناعي الفرنسي سيريز بسبب ارتطام قطعة من الحطام الفضائي به، لذا وجب التفكير في حلول فعالة لهذه المشكلة، فضلا عن تعيين زبّال فضائي يمر لجمع القمامة كل صباح!
هناك طريقة للتخلص من الأقمار الصناعية التي ينتهي عمرها الافتراضي، وذلك بتوجيهها إلى مسار مختلف، بحيث تتوقف عن اتخاذ مدارها المعتاد تدريجيا وتدخل إلى الغلاف الجوي مرة أخرى، وقد نفذت هذه الطريقة مع القمر الصناعي الفرنسي سبوت 1 عام 2003، لكنها طريقة بطيئة نوعا، حيث سيدخل سبوت 1 إلى الغلاف الجوي بعد خمسة عشر عاما! يمكن أيضا أن يتم دفع القمر إلى مدار آخر بحيث لا يتداخل مع المنطقة المستخدمة من قبل الأقمار الصناعية.
وهناك طرق عديدة فكّر فيها العلماء للتخلص من مشكلة القمامة الفضائية، منها سحبها إلى الأرض بواسطة مركبات، أو تبخيرها باستخدام أشعة الليزر، وهناك فكرة أخرى لاستخدام مادة تسمى إيروجيل، وهو جيل يحتوي بداخله على غاز بدلا من سائل؛ حيث يمكن إطلاق كميات كبيرة من هذه المادة لتلتصق بالقمامة الفضائية ثم تهبط بها إلى الأرض، إلا أن كل هذه الحلول مكلفة جدا.
وهناك فكرة أخرى ربما تبدو أكثر عملية هي تجميع كل القمامة الفضائية في مكان واحد يكون أشبه بساحة قمامة فضائية لتدور في مدار معين حول الأرض، بحيث يتحقق هدفان من هذا الأمر، الأول هو إبعادها عن المدارات العادية المستخدمة، والثاني هو إمكانية استخدامها مستقبلا كمصدر للمواد الخام وقطع الغيار من قبل رواد الفضاء المستقبليّين!
الكتالوج
ولدى الهيئات العسكريّة في أمريكا كتالوج به حصر لحوالي عشرة آلاف جسم من القمامة الفضائية يدور حول الأرض، وذلك حتى لا تعتقد أجهزة الاستشعار بطريق الخطأ أنها صواريخ معادية. ويتم تطوير هذا الكتالوج باستمرار عن طريق إضافة المزيد من الأجسام التي تكتشف عن طريق الرادارات، أو التليسكوبات الأرضية أو الفضائية. وبالرغم من هذا تظل أغلبية القمامة الفضائية خارج الكتالوج وعصيّة على التسجيل، حيث يقدر عدد الأجسام التي يتجاوز قطرها 1 سم، وتدور حول الأرض بأكثر من 600 ألف جسم!
ومزيد من الحطام
أما الحدث الذي أدى إلى تكون أكبر كمية حطام فضائي في التاريخ، فهو التجربة التي قام بها الصينيون في 11 يناير 2007 لتجريب سلاح فضائي جديد ضد الأقمار الصناعية، حيث أدت التجربة إلى تكوين كمية هائلة من الحطام الفضائي: أكثر من 2000 جسم بحجم كرة الجولف أو أكبر، ويصل الرقم إلى 35 ألف جسم إذا حسبنا الأجسام الأكبر من 1 سم، وإلى مليون جسم إذا حسبنا الأجسام الأكبر من 1 مم. ولأنهم أجروا الاختبار في مدار أعلى من المعتاد، فمن المتوقع أن يظل يدور الحطام حول الأرض لخمسة وثلاثين عاما قادمة قبل أن يخرج من مداره ويسقط على الأرض.
هناك حدث آخر أدى إلى تكون الكثير من الحطام الفضائي، عندما انفجرت إحدى مراحل الصاروخ الروسي الذي حمل القمر الصناعي "عرب سات 4" في 19 فبراير 2007، وقد كوّن الحطام سحابة كان من الصعب تحديد عدد جزيئاتها بواسطة الرادار، إلا أن المدار المنخفض للحطام سيجعله يدخل الأرض ثانية خلال وقت قصير بعكس الحطام الصيني المزعج الذي تكوّن في مدار أعلى.
أما أغرب شيء حدث بخصوص هذه القمامة الفضائية، فهو حادثة حدثت في 22 يناير 1997، حيث كانت "لوتي ويليامز" تتمشى في إحدى حدائق أوكلاهوما، حين لاحظت خيطا من الضوء في السماء يبدو كشهاب، وبعد دقائق ارتطم بكتفها جسم أسود يبلغ طوله 6 بوصات، اتضح فيما بعد أنه جزء من خزان الوقود الخاص بالصاروخ دلتا 2 الذي كان قد استخدم في إطلاق أحد الأقمار الصناعية العسكرية عام 1996