أعظم وأسوأ من حكم مصر!
قال الدكتور عاطف عبيد رئيس الوزراء السابق للصحفية المعروفة سناء السعيد فى حديثه معها الذى نشرته مجلة الاسبوع فى عددها الاخر ان الرئيس محمد حسنى مبارك هو أعظم من حكم ممصر منذ ايام رمسيس!! وذكر سيادته لا فض فوه سبعة امور تبرر قوله.. والواقع انه يحدث احيانا ان يدور نقاش بين بعض العامة من الناس حول شخصية ما فينبرى أحدهم قائلا: فلان الفلانى هذا هو اعظم رجل فى العالم..!!. ويمكن طبعا ان نغفر للقائل بهذا قوله..
فهو من عامة الناس من جهة.. وان قوله بهذا اقتضته حدة المناقشة ومحاولة الانتصار على غيره من اطراف الحوار بقول حاسم وقاطع حتى ولو لم يكن لذلك اى سند او مبرر منطقى وعلمى. يتكرر هذا كثيرا وفى مناسبات عدة وفى اماكن متفرقة وفى ازمنة مختلفة.
من قبيل ذلك مثلا ما حدث معى خلال هذا الاسبوع عندما صاحبت أخرين فى سيارة الى رحلة عمل الى مدينة بنى سويف. وكان عددنا اربعة. لكن واحدا منهم بسبب غير مفهوم رأى - ربما على سبيل التسلية او على الارجح من باب الحماقة - انبرى فجأة بالقول ان كل الكوارث التى تعانى منها مصر هى نتيجة فترة حكم الرئيس جمال عبدالناصر....!!
واخذتنا جميعا الدهشة. فلم يكن هناك مناسبة لطرح هذا الرأى. وطوال الطريق - قرابة الساعتين - أخذ يتحدث بلا انقطاع معددا فى رأيه سوءات هذا الزعيم الذى اخذ عليه من بين ما أخذ معاداته للصهيونية ولاسرائيل التى اعتبرها واحة الديمقراطية فى المنطقة واكثرها تقدما وتستحق بجدارة دعم الغرب لها!!... بل والعالم اجمع.. وهنا لم يفته الاشادة بالسادات وحكمته بزيارته لإسرائيل وعقد معاهدة سلام معها!!.... وقد اكتفينا جميعا بالاستماع اليه فى صمت تام ولم يحاول احدنا - بما فى ذلك شخصى الناصرى الوحيد بين ركاب هذه السيارة الرد عليه حيث كان واضحا كل الوضوح انه انسان جاهل لا تجدى معه اى مناقشة بموضوعية وعقلانية. فضلا عن عدم تناسب المكان كجلوس فى سيارة ووجوهنا فى اتجاه واحد تجاه الطريق المحفوف بالمخاطر. وقد تبين على أية حال بعد وصولنا للمكان الذى كنا نقصده - والذى كان ذهابنا اليه بقصد ان يقوم هذا الشخص بمعاينة ارض زراعية وكتابة تقرير يتضمن تقديرا لقيمة التعويض المستحق عن الاستيلاء عليها- اننا كنا على صواب فى عدم مناقشته فيما فرضه من آراء سخيفة اثناء الرحلة عن الرئيس الزعيم جمال عبدالناصر اذ انه بحماقة وصلافه لا يقدر عليها سواه سأل عن قيمة الرشوة لو كتب تقريرا منصفا ولصالحنا؟..... ومتى وكيف سيحصل عليها..!! اذن: اطلاق احد العامة القول على عواهنه ان فلانا هو اعظم رجل فى العالم او اعظم من حكم مصر يمكن التغاضى عنه وعدم اخذه بجديه. لكن ان يصدر هذا القول من اكاديمى يحمل شهادة الدكتوراه وتولى مناصب عدة اخرها رئاسة وزراء مصر لا يمكن معاملته معاملة العامة، بل لابد من مناقشة هذا الحكم الذى اصدره. صحيح واننا نستطيع ان نقدر دوافعه. اذ يصدر قوله هذا بعدما ابلغ انه سوف يعين فى ذات المنصب الذى استقال او اقيل منه الدكتور مصطفى خليل كممثل لحكومة مصر فى مجلس ادارة المصرف العربى الدولى للتجارة الخارجية والتنمية وكرئيس مجلس ادارة المصرف. وهو بنك بحكم اتفاقية انشائه لا يخضع لاحكام القوانين المصرية وله ميزات وحصانات خاصة. ومرتب رئيس مجلس ادارته يصل الى رقم فلكى وهو بالقطع اعلى من عدة اضعاف مرتب رئيس الجمهورية ناهيك عن رئيس الوزراء. فالحصول على هذا المنصب يفقد اى انسان قدرته على التماسك. وانى اعترف أننى لو حصلت على اى وظيفة بهذا البنك لفقدت عقلى فما بالك بمنصب رئيس مجلس الادارة!! فإنصافا نستطيع من جانب ان نعذر الدكتور عاطف عبيد عندما يصف الرئيس مبارك بانه أعظم من تولى حكم مصر منذ ايام رمسيس!! لكننا من جانب اخر لا نستطيع ان نجد له العذر كاملا حيث حاول ان يبدو موضوعيا. - وهو لا يمكن ان يكون كذلك مهما حاول لما سنعرضه تاليا - فعدد سبع وقائع رأها تصلح سندا لهذا القول والحكم القاطع خاصة - على حد قوله انه - اى الدكتور عبيد - شاهد على العصر!! - فقال ان هناك سبع ازمات فى عهد مبارك نجح فى مجابهتها. وكل واحدة منها فى رأيه كانت كفيلة بان تعيد مصر مائة سنة الى الوراء هى:
1- ازمة ندرة النقد الاجنبى الى حد انه - اى الدكتور عبيد كان يلف على البنوك مع وزير الاقتصاد لجمع مائتى الف دولار لتسديد قسط من الديون لانه لو تأخر السداد 42 ساعة لتوقفت المعونة الأمريكية!! ولم يقل لنا الدكتور عبيد دور الرئيس مبارك فى حل هذه الأزمة...
2- الازمة الثانية عجز الميزانية فقد كنا - على حد قوله - فى سنة 1983 نبحث ما الذى سنفعله مع هذا العجز!! ولم يقل لنا ايضا الدكتور عبيد دور مبارك فى حل هذه الازمة ولا مسئوليته عنها كرئيس للجمهورية.
3- الازمة الثالثة حجم الديون.. كان 94 مليارا وكان قسطها والفوائد المستحقة عليها أربعة آلاف وخمسمائة مليون دولار. وظهر استحالة سدادها. فطلب منا الرئيس مبارك - هكذا يقول الدكتور عاطف عبيد - ان نجلس مع صندوق النقد وهو الذى يحدد الاصلاحات ويحدد ايضا توقيتاته الزمنية!! ولم يقل لنا الدكتور عاطف عبيد ماهو الفذ فى اعطاء هذه النصيحة..!! بل على العكس فان اعطاء الاجنبى ممثلا فى صندوق النقد حرية التدخل وادارة اقتصادنا لا يحسب لصالح أحد بل على العكس تماما..
4- الازمة الرابعة التنظيمات الاسلامية المتطرفة التى كانت تهدد الاستثمار وكل من يدعو الى التوسع فى مساحة الديمقراطية. والامر ايضا هنا بالعكس. فعدم اعطاء مساحة من الديمقراطية جعل الحل بوليسيا بحتا ومازلنا نعانى من آثاره.
5- الازمة الخامسة حادث السفينة اليكى لاورو التى ادت الى توتر مع الولايات المتحدة. وياليت الدكتور عبيد لم يفتح هذا الملف. لان ما حدث فى ارغام الطائرات الامريكية لطائرة مصرية على الهبوط كان يمثل اكبر اهانة لمصر
6- الازمة السادسة حادث الاقصر وانحسار موارد النقد الاجنبى. وهو حادث ارهابى هو على الارجح من فعل الموساد.
ومصر فعلا عانت من انحسار الحركة السياحية بسببه لعدة سنوات. ولم يقل لنا للمرة الخامسة الدكتور عبيد دور الرئيس مبارك فى تلافى ازمة انحسار النقد الاجنبى المترتب على انحسار السياحة المترتب على هذا الحادث.
7- الازمة السابقه تتمثل فى توابع حرب الخليج الثانية نتيجة الغزو العراقى للكويت. وكان احرى بالدكتور عبيد الا يثير فواجع دور مصر فى مواجهة هذا الغزو العراقى والذى جعلها تخضع للحل الامريكى وتشارك فيه وتدفع لهذا ثمنا من دورها ومكانتها العربية. ويبقى السؤال للاكاديمى والاستاذ الجامعى ورئيس وزراء مصر السابق هل قيام الرئيس بحل هذه الازمات يجعله اعظم من حكم مصر منذ ايام رمسيس؟؟؟ ويجعله اعظم من محمد على باشا واعظم من جمال عبدالناصر واعظم من كل حكام مصر منذ انتهاء العصر الفرعونى والى يومنا هذا مرورا بحكام وولاة مصر ايام حكم الامبراطورية الرومانية 30 سنة قبل الميلاد 323 بعد الميلاد وبعدها الحكم الاسلامى ايام الخلفاء الراشدين والدولة الاموية وبعدها الدولة العباسية والدولة الطولونية والدولة الاخشيدية والدولة الفاطمية والدولة الايوبية ثم المماليك ثم الولاية العثمانية ثم حكم اسرة محمد على الى قيام الثورة المصرية عام 1952 هل راجع الدكتور عبيد اعمال كل هؤلاء الحكام وقارنها بمنجزات حكم الرئيس مبارك مقارنة علمية وموضوعية حتى يجعله مطمئنا الى هذا القول؟..... ام ان حكمه هذا مشابه لاسلوبه. فى حكم مصر ابان توليه رئاسة وزرائها... بسطحية بالغة وسوء إدارة جعلنا نعود الى بطاقة التموين التى لم تعرفها مصر الا فى ايام الانجليز إبان قيام الحرب العالمية الثانية!! بل ويستجد عليها طوابير الخبز التى لم تعرفها مصر حتى ايام انحسار الفيضان والقحط والجدب؟
ما رأى الدكتور عبيد فى تقرير النيابة الإدارية الأخير الذى أكد فى حيثياته أن معدل جرائم الفساد فى مصر أصبح جريمة كل دقيقتين أعلى من معدل المواليد اذ بلغ عدد قضايا الفساد المالى والادارى داخل أجهزة الحكومة 36 الفا و962 قضية كل ساعة بما شكل صورة مخيفة تؤكد مدى تغلغل الفساد فى الدوائر الحكومية. كل هذا مع النظر بعين الاعتبار الى أن حجم ما ماحققت فيه النيابة الادارية هو جزء يسير من مجمل قضايا الفساد التى تساهم فى ضبطها والتحقيق فيها جهات وأجهزة أخرى مثل مباحث الأموال العامة وهيئة الرقابة الإدارية التى نشطت بشكل لافت يستحق الإشادة خلال العامين الماضيين. هذا بخلاف الجرائم التى لم يتم ضبط الجناه فيها حتى الآن وربما لن يتم ضبطهم ابدا مثل قضية الدكتور ممدوح حمزة المطروحة والمتروكة للقضاء البريطاني!! وقضايا انجال وكبار المسئولين... وكل هذا نتيجة طبيعية لنظام لا يخضع بحكم الدستور لاى قدر معقول من المساءلة السياسية او القضائية وبسبب ضعف المشاركة السياسية او القضائية وتزوير ارادة الناس فى الانتخابات العامة ومصادرة نشاط الاحزاب والعمل النقابى. اتمنى ان يأتينا يوما عاطف عبيد اخر اكثر موضوعية واكثر عقلانية واكثر علمية ويجيب على السؤال: من هو أحسن ومن هو اسوأ من تولى حكم مصر فى العصر الحديث. مع ان العامة الذين نتهكم على أميتهم يعرفون.
2007-11-07, 6:59 pm
